رصيف الحب ..
🎆🎆🎆🎆🎆🎆🎆🎆
كان مراد نشيطا مسرورا؛ لأنه سيلتقي بحبيبته ليلى في المساء، ليتمشيا على رصيف طويل أسمياه رصيف الحب، ويتحاورا في كل شيء.
جلس مع أبويه وأخته الصغيرة؛ لتناول طعام الفطور، ثم قضى معظم الوقت وهو يقرأ القصائد، ورسائل العاشقين، ومختارات من الأدب الجميل، عل لسانه ينطلق انطلاقا حين يقابل حبيبته، ويفتح بوابة قلبها بمفتاح العبارة.
كان يعتقد دوما أن حبه لها خالص لا تشوبه ذرة من مكر، ولا تخالطه نقطة من خداع. وكان يعتقد دوما أن حبه ما هو إلا تلك النسمة الجميلة التي جاءت إليه ذات موت، فأحيته وأعادت النبض إلى قلبه، والإحساس إلى وجدانه.
فيما مضى كان يهرب من كيوبيد، فيحتمي تارة بجدار الصمت، ويتقي تارة بدرع الوحدة، ويختفي تارة خلف صخرة القسوة، لكن كيوبيد لم يكن سهلا إطلاقا، بل كان صبورا، وذا بديهة حاضرة؛ فقد اختبأ متحينا فرصة الإيقاع به، ولما ترك مراد جداره ودرعه وصخرته سدد نحوه كيوبيد سهما، فلم يخطئ فؤاده.
في المساء طار مراد إلى ليلاه بجناحي قلبه، فوجدها شاردة، تنتظره في حديقة من حدائق أكادير، ولما رأته ابتسمت، فأحس بأن كل الناس يبتسمون، وخفق قلبه، فظن أن الأرض التي تحمله تخفق، ثم سارا معا على رصيف طويل أحسا معا أنه لا ينتهي مثل الكون والحب، ودار بينهما حوار خالا أنه لن ينتهي مثل الكون والحب والرصيف.
أزاحت ليلى خصلة من شعرها إلى الخلف، وقالت ببراءة الأطفال:
- الجو جميل.
فقال مراد:
- أنت الأجمل.
سألته ليلى مبتسمة:
- أخبرني. هل أنت وعائلتك بخير؟
رد مراد متصنعا نظرة حزن:
- عائلتي بخير، وأنا أصبحت للتو بألف بخير.
سألته ليلى قائلة:
- لماذا؟
فأجاب:
- أصبحت للتو بألف خير؛ لأنني رأيتك.
ضربته ليلى بحقيبة يدها السوداء ممازحة، ثم سألته:
- هل أنهيت كتابة روايتك؟
أجابها:
- ليس بعد؛ فأنا أحضر للامتحانات.
قالت ليلى:
- وفقك الله في مسارك الإبداعي.
وقال مراد:
- آمين. أشكرك.
قالت ليلى:
- حدثني قليلا عن روايتك.
قال مراد:
- طيب. لقد كتبتها عن عاشقين جمعتهما رابطة الحب؛ فحلقت بهما إلى عالم ليس كالعالم الذي نعرفه، إنه عالم يفيض براءة، ونقاء، ووفاء. إنه عالم سكانه حمام تطير محلقة وتزين السماء، إنه عالم تمضي صباحاته وأمسياته كالأعراس.
سكت مراد لحظة ثم أضاف:
- بماذا تقترحين أن أنهي روايتي.
قالت ليلى:
- ستجمعهما رابطة الزواج.
قال مراد:
- هذا ما سأكتبه. وهذا ما أرجو، من خالص قلبي، أن يقع.
سار مراد وليلى وهما يتكلمان إلى أن وصلا إلى مفترق طرق، وعندئذ أبدى مراد امتعاضه، فقال:
- كنت أظن أن الرصيف لن ينتهي وأن حوارنا سيطول. فيا للأسف!
وقالت ليلى:
- وأنا أيضا كنت أظن ذلك، لكن علينا أن نفترق الآن، وسنلتقي قريبا.
في اللحظات التالية استيقظ مراد من نومه ممسكا برأسه، وكان قلبه يخفق بشدة، فلما أدرك أن كل ما رآه من أحداث ما هو إلا حلم اعتصر قلبه من شدة الحزن.
خرج من المنزل مكفهر الوجه، وقبل أن يعبر طريقا، رأى ليلى التي كانت حبيبته قبل سنوات تمشي مع زوجها وابنها الصغير في رصيف الحب وهم مشغولين بحديث طويل، فزاد قلبه اعتصارا، وشعر بحزن لجوج يخز أنفه، فكانت تلك الوخزات التي شعر بها أرصادا نبأته عن هطول أمطار عينيه، ثم جمع أجزاءه التي تساقطت في الطريق بسبب حادثته التي لم يرها الناظرون، وعاد إلى منزله، وتظاهر بالفرح أمام عائلته، ثم دخل إلى غرفته. ومن صندوق قديم أخرج دفترا كان يكتب فيه روايته، فكتب فيه هذه المرة نهاية الرواية، ذاكرا أن عاصفة هوجاء أقبلت على حين غفلة من العاشقين، فدمرت عالمهما.
🎆🎆🎆🎆🎆🎆🎆🎆
بقلمي/ حفيظ بوبا
تعليقات
إرسال تعليق