((( نداء خفي )))
-3-
تَحكمُ الناسَ مجاهيلٌ لها . . . سَلَّمَ الناسُ ولم يستفسروا
أتُرى ما الروحُ ما حَلَّ بمن . . . ماتَ حتّى ما لديهِ أثَرُ
ما الذي سوف يلاقي كونُنا . . . لِيقومَ العُدْمُ ... هذا البَشَرُ
أتُرى ما ذلك النفثُ الذي . . . يبعثُ الروحَ بمن قد قُبِروا
أمْ نظامٌ ثابتٌ مبتعدٌ . . . عن قوانينَ بها نحن نسيرْ
ليس فيما بيننا من شَبَهٍ . . . في ابتداءٍ ومسيرٍ ومصيرْ
عبثاً ينقادُ مَن يقتادُنا . . . لأُمورٍ شأنُها الشأنُ الحقيرْ
عَلَّنا نفقهُ ما نحن بهِ . . . من وجودٍ نحن لا نعرفهُ
فقد اعتدنا على ظاهِرِهِ . . . فنجاريهِ ولا نكشِفُهُ
نألَفُ الدهرَ على أحوالِهِ . . . لانعاديهِ ولا نسعِفُهُ
بكلامٍ قَلَّ من يعرفُهُ . . . وحديثٍ فوقَ ما نألَفُهُ
فحديثٌ قُنِصَتْ أفكارُهُ . . . من كلام الغيب أو عمق الضميرْ
كُلَّما حدَّثتُ نفسي لا أرى . . . من حدودٍ لاكتئابٍ وسرورْ
فكأنَّ الكونَ في آخِرِهِ . . . كُلُّهُ نحو سكونٍ ودُثورْ
كلُّ شيءٍ فيه معنىً زائلٌ . . . ليس شيءٌ يحمل المعنى الكبيرْ
كلُّ شيءٍ سنراهُ فوقَ ما . . . قد ألِفناهُ بتفكيرٍ جديدْ
ربَّما يبدو لنا مختلفٌ . . . إنْ تفكَّرنا به لا كالجدودْ
لِمَ لا نخرجُ عن مسلكهِمْ . . . لِمَ لا نتَّهِمُ الفِكْرَ السديدْ
إنَّما نحيا سنيناً قَصُرَتْ . . . كيف يحوي الدهرَ ذا الفكرُ الوليدْ
عَجَباً نستشعرُ الناسَ ولا . . . نرتضي عيشَهُمُ فيما نراهْ
هُمْ مساكينٌ بما لَمْ يعرفوا . . . كُلُّهُمْ يسعى على قدر مناهْ
وعلى ذاكَ نظامُ الأرضِ في . . . مَعْزِلٍ عن منهجِ الكونِ رؤاهْ
غير أنَّ العالَمَ العُلوي بهِ . . . يتسامى دون حدٍّ منتهاهْ
يتجلّى رحمةً ليس لها . . . طُرُقٌ للظُلْمِ والشكِّ الكثيرْ
عالَمٌ في كلِّ ذاتٍ رغبةٌ . . . للقوانين التي فيها يسيرْ
غير أنَّ العيشَ فيه مُطلَقٌ . . . لانبعاث الروح والوعد الأخيرْ
فقيودٌ نحن فيها دونهُ . . . شغلتنا عنهُ بالأمر الصغيرْ
كيف يسري نحو أفكاريْ النَظَرْ . . .
وبها ذكرى لآلاف الصُوَرْ . . .
نحنُ لا نعرف كيف اتَّفَقَتْ . . . موجةُ الضوءِ وأعماقِ الفِكَرْ
نحن في تكويننا أعقدُ من . . . أنْ ينالَ الفِكْرُ مِنّا مُستَقَرْ
أ فَهل أعظمُ من أنظِمةٍ . . . كلُّ طولٍ قربها فيهِ قِصَرْ
أيُّ كونٍ نحنُ فيهِ ما لنا . . . لَمْ نجدْ حتّى سبيلاً لِحوارِهْ
هل لنا عقلٌ لكي يُرشدَنا . . . أنَّ للروح سبيلاً في مسارِهْ
إن يكُنْ من عِظَمٍ مقتدراً . . . كيف نغدو فوقَ آفاقِ اقتدارِهْ .؟
فتعالى الملك الحقُ الذي . . . جعل الكون دليلاً لِاعتبارِهْ
إنْ يشأْ ما انفتحَ الكونُ لنا . . . كي نرى آياتِ خلاّقٍ عظيمْ
بوجودٍ يهتدي الفِكْرُ بهِ . . . أنّهُ من حِكَمِ الله الحكيمْ
لو عرفنا شأننا لَانتَفَضَتْ . . . رقَّةُ التقديسِ في الفِكْرِ السليمْ
وتركنا سُبُلَ الشكِّ بربٍّ لنا أيِّ رحيمٍ وكريمْ
ذلك الرحمن أعلى قِيَماً . . . ذلك الملجأُ عمّا لا نُطيقْ
مَن ترانا كي نُداري فِكَراً . . . ضَيِّقاتٍ عن وجودٍ لا يضيقْ
فمن الأجدَرِ إنْ لَمْ نستَطِعْ . . . رؤيةَ الغيبِ نرى الماضي السحيقْ
أو نَرى في الأمس ما يُرشِدُنا . . . عن غدٍ إنْ كانَ مِن بعضِ الطريقْ
ليس يرضى الله بالجهلِ وقد . . . وَهَبَ اللهُ لنا الفِكْرَ الوجيهْ
فمِن الأجْدَرِ أنْ لا نقتفي . . . غيرَ هديِ الله فيما نقتفيهْ
كُلُّ شيءٍ كائنٌ في حُكمِهِ . . . لا يعي من لا يرى ما هو فيهْ
كُلُّ حَقٍّ دونهُ مندَحِرٌ . . . كُلُّ دربٍ دونهُ فيهِ نتيهْ
شعر/د. رشيد هاشم الفرطوسي
تعليقات
إرسال تعليق